بقلم: الدكتور اسماعيل صيام

تكشف الفنانة “عزة مصطفي” عن البنية الممكنة للجمال من خلال المواجهة العنيفة التى تقدمها لنا بين البسيط المتمثل فى عنصر واحد وبين الخيالى المتمثل فى تجاوز الواقع إلى المستقبل وفى السابق كانت الفنانةتقدم لنا مشاركات مرجأة حين كان الخيال والمستقبل يمثلان إشارات متواصلة للفعل الجمالى.

آنذاك كانت الفنانة قد دفعت بمتتابعات للعنصر من خلال سيطرته على فراغ معد غير أن الفنانة هذه المرة أعدت لنا مجموعة من المشاركات غير المرجأة.

مشاركات فورية فى حقيقتها استباق للوقائع فى ذاتها كما أنها أيضا استباق للتجربة الواقعية. ذلك أنها هذه المرة وعلى خلاف السابق عند الفنانة ترجح كفة الفعل على تحليل الفعل وترجح الكشف الفورى للواقع على وصف الواقع.

إن الفنانة ” عزة مصطفي “تقدم لنا حدثاً أو فرضية هى فى حد ذاتها ربما تكون قيد التحقيق من حيثأنها تمثيل للعفوية التى هى تقترح نفسها لحظة التعبير بينما تتحد المشاهد فى صميمها كله حال حضورها فوق شبكية العين الناظرة، ومن هذه الزاوية فالعملية الفنية قريبة فى بعض عناصرها من روح الحدث بمعنى السعادة وقريبة فى عناصرها الأخرى القصدية الى ما نطلق عليه عنصريسيطر علي الفراغتلك التجهيزات التى هى بنيوية والتى هى صالحة لخلق محتوى بيئى  للعملية الفنية بكاملها. إن ما تقدمه لنا الفنانةهذه المرة هو بمثابة رهان على صحة التجربة الفنية وهو رهان من حيث تتعرض هذه التجربة للصدمة المجهولة ولغير الممكن ومن حيث هى استباق للمستقبل برغم أنه حالى واستباق للخيالى برغم أنه واقعى واستباق للفعلية الجمالية . قدمت الفنانة” عزه مصطفي ”  مجموعة من الأعمال الفنية التى ساهمت فيأَثراء الحركة التشكيلية المصرية وسط صخب وضجيج ومشكلات المجتمع المصرى.

الفنانة تعتبر أحد أهم المصورين المصريين المهمومين بقضايا المرأة والمتحمسين لها وهيتؤدى دورها هذا من خلال وجودها المستمر علي الساحه الفنيه ، ومن الفنانين المجددين مع تمسكها بالقواعد الرصينة للتصوير. أعمال الفنانة تعد درساً مهماً لشباب الفنانين فهى تحمل الكثير من الأستاذية فى التكوين وبراعة التلوين وهما أهم أدوات المصور على الإطلاق.

لا نلاحظ فى أعمال الفنانة أى خطأ فى التكوين الفنى رغم عدم اعتمادها على نظريات التكوين المتعارف عليها فقد شعرت أمام أعمالها بمدى براعتها فى السيطرة على مسطح الصورة وحرفيتها فى استخدام أصابع الباستيل بشكل معاصر تدعو إلى الدهشة .

لوحة ” امرأة علي شاطيء ” العنصر الرئيسي فى اللوحة امرأة تجلس علي الشاطئ ، العنصر مسيطر علي اللوحة ، جسدها يميل الي اللون البرنزي المطعم بالبنيات للتجسيم ، خطوط الجسم تمتاز بليونه الحركة ، الفستان باللون البنفسجي المائل للأحمرار وزخرفة باللون الأبيض ، والقبعة بنفس لون الفستان للتوازن اللوني ، الأرضية باللون لأصفر اشارة لرمل الشاطئ، والخلفيه تغوص بالون الأزرق وذلك لامتصاص قوة اللون البني الذي يسيطر علي الارضية ، اللون الازرق تردده الفنانة في كرسي البحر وحذاء المرأة وذلك لربط عين المتلقي داخل العمل الفني ، حركة السيجارة في اليد اليسرى تخرج عين المتلقي من العمل وتشير الي وقوع حركه متوازنة مع اليد الآخري ، وحركة الساقينتشكل مثلث مع وضع القدمين يتردد مع مثلث اليد اليسري ، العنصر محدد بالخط الاسود لتأكيد فكرة ليونة الخط لدي الفنانة ، حافظت الفنانة علي النسب الجمالية للعنصر والتعبيرية للوجة ، الشكل ينظر فى اتجاه الأفق وفى وضع سكون رغم حالة الحركه في اليدين والقدمين .

الفنانةتظل دائما محتفظه لنفسها بمسافات بنائية وتركيبية وابتكارية تتعلق بتوزيع عناصرها عبر علامات تشكيلية وعبر رؤية جمالية دون اكتراث بتكرارها المتشابهة مثل لوحة ” بدينات يتظاهرن في ميدان التحرير ” لأنها فى النهاية تبرز علامات جمالية محصنة. لوحة ” امرأة تجلس علي الشاطئ ” مستطيلة الشكل أهم ما يميزها الحس الإنسانى المسيطر على العمل. اللون يفرض نفسه بصورة كبيرة فهو يحدث نوعاً من التناغم والتحاور. البحر والمرأةيجمع بينهما لغة حوار صامت .

ألوان العنصر تتناغم مع ألوان الخلفية النييغلب عليه اللون البنفسجى في الثياب المائل للأحمرار مع زخرفته باللون الأبيض بهما حراك لونى مع وجود نوع من التوازن اللونى مع ألوان الأرضية االمشبعة باللون البنى الفاتح.

تتميز أعمال الفنانة ” عزة مصطفي ” بقدرتها على خلق حالة من الحميمية والتجاوب المباشرين فيما بين المتأمل وعالمها الخصب، لتتحول تلك الحالة من حنين خالص تهيمن وتقود مسالك المشاهدة ومساراتها. أحيانا يجد الملقي نفسه فى مشاهد ومواقف مشابهة له فى حياته موجودة داخل العمل الفنى كعنصر فعال أو مكمل لأحد هذه الأحداث، مما يسهل عليه اكتشاف دلالات جديدة فى العمل قد لا تقصدها الفنانة نفسها . ربما يرجح ذلك مرورها بتلك التجربة يوماً ما ، وبالتالى معايشة للفنانة فى لحظات إبداعها فى تخيرها لتلك العناصر لتخضعها فى عمل تصويرى مبدع .