رئيس التحريرأميرة عبدالله

عســـل اســـود “حكاية لكل البنات”

عســـل اســـود         “حكاية لكل البنات”

الدكتور حسام الإمام يكتب… عسل اسود

حكاية لكل البنات”

وقفت أمام المرآة ، تأملت وجهها الشاحب والسحب السوداء التى بدأت تظهر أسفل عينيها ، وضعت حقيبتها ونظارتها السوداء .. وألقت بنفسها على السرير .. اجتاح رأسها طوفان اعتاد أن يأتيها فى مثل تلك اللحظات ..اليوم طلبها للزواج زميل قديم يعمل فى منصب ممتاز ، تتمناه أية فتاة .. لكن المصيبة أنها ليست أية فتاة ! هى نوع خاص يعلم ما يريد ، وإذا أراد فعل . تفكيرها منظم .. رد فعلها سريع ومتزن فى الوقت نفسه .. تجيد عدة لغات أجنبية .. أضفى عليها ذلك لباقة الأسلوب ورقة الإحساس .
هى الآن فى السادسة والثلاثين ولم تتزوج ، تؤمن بالقسمة والنصيب ، لكن سؤال يطاردها على ألسنة الآخرين فى كل لحظة : إيه .. مش هنسمع خبر حلو قريب ؟؟وممن لم تلقاهم منذ فترة طويلة وتقابلهم صدفة ، يكون السؤال أسخف : إيه يابنتى .. لسه ما اتجوزتيش لحد دلوقتى ؟؟ إنتى عاملة إضراب ولا إيه ؟؟ .. إلى آخره مما يثير النفس فتثور صارخة : وانا مالى .. أنا ذنبى إيه ؟؟هل تلقى بطموحها خلف ظهرها وتقبل أى عريس ؟ … لكن كيف تفعل ذلك ؟؟كيف يمكن لهذا العقل أن يتحمل تلك المأساة ؟؟ ستكون النتيجة فاشلة بالتأكيد .
هى لم تقرر ألا تتزوج ، بل تريد الزواج فعلاً مثل كل البنات.وبالفعل كانت قد تمت خطبتها مرتين من قبل .. الأولارتضته رغم ظروفه المتواضعة وقررت أن تقف بجانبه ، لكنها فوجئت بصوت آخر يرسم لها حياتها .. كان سلبياً تحركه أمه .. لا رأى له .. لم تطلب منه أن يكون عاقاً بأمه .. لكنها رفضت سلبيته .. ناقشته ففوجئت بصمته وانعدام إرادته ..الثانى كان طبيباً ، رأت أن مستواه العلمى يبشر بعقلية ناضجة متفتحة .. كان فى بداية حياته ولم يكن عنده شقة .. ظلت بجانبه إلى أن تطور فى عمله واشترى شقة .. وكانت بتفكيرها السريع المنظم خير عون له فى حل أية مشكلة .. واقترب موعد الزفاف .. فوجئت به يصارحها أن زواجهما يستحيل أن يتم .. لماذا ؟؟ لم يخجل فى أن يصارحها بإحساسه أن شخصيتها قوية جداً ويخاف أن تكون كلمتها هى العليا دائماً.كان الصدمة شديدة عليها ، مع ذلك لم تقرر التراجع عن خوض تجربة جديدة .. لكن إحساس هائل بالرهبة والغربة يتملكها هذه المرة .. رهبة الفشل وغربة الزمان والمكان والناس والعقول ؟؟ صراع بين ذلك الكيان الذى لم يعرف المستحيل يوماً ، وبين شبح الفشل .

اعتدلت فى جلستها ثم قامت أمام مرآتها … تحادثتا بلغة لا يفهمها غيرهما وأخذت قرارها .بعد ثلاثة سنوات من زواجها وفى زيارة لمنزل أبيها .. دخلت حجرتها ومعها طفلها .. حملته ووقفت به أمام مرآتها وتحادثتا بنفس اللغة القديمة .. وابتسمت للماضى معلنة غفرانها لقسوته … وابتسمت للحاضر معلنة تحديها لتبلده وعناده .

شارك برأيك وأضف تعليق

2024 ©