رئيس التحريرأميرة عبدالله

ضربات موجعة لجبهات “تغييب الوعي”

ضربات موجعة لجبهات “تغييب الوعي”

 

بقلم: الكاتب الصحفي شريف عارف

لم يسعفني الوقت في أن أتابع كثيراً من الأعمال الدرامية في شهر رمضان، لكني أستطيع القول أن مصر إستعادت عرشها في الإنتاج الدرامي رفيع المستوي، رغم بعض الإنتقادات التي ربما تثور هنا أوهناك حول بعض الأعمال التي تتناول ظواهر مجتمعية مرفوضة كالعنف والبلطجة.
إستعادة هذا العرش، لم يكن بالأمر السهل بعد سنوات طويلة من ” تدمير العقول” و” تغييب الوعي” وخلط الأوراق. الأمر لم يكن سهلاً بالفعل أمام دولة تعيد بناء كل شيء بما فيه الشخصية المصرية ووجدانها الذي أصيب بضربات معادية أفقدته بعض التوازن، لكنها لم تحقق أهدافها كاملة، بفضل عمق هذه الدولة وقدرتها على الصمود.
عملية ” التغييب ” بدأت مع الألفية الثالثة، بايقاع هاديء ضمن مشروع تمهيد الأرض أمام صعود الإسلام السياسي، وهو الاتجاه الذي دعمته الادارات الاميريكية المتعاقبة، خاصة في السنوات التي أعقبت غزو العراق.
المخطط كانت له عدة أبعاد بعضها على الأرض في التحول السياسي أو دعم ما أطُلق عليه كذباً ” التداول السلمي للسلطة”، بينما البعد الأخر يتمثل في السيطرة على العقول أو “تغييبها”!
قبل أيام إحتفلنا بذكري عزيزة على قلب كل مصري وعربي، وهي ذكري حرب العاشر من رمضان، وفي ذكراها هناك مقولة أتذكرها لديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل، عندما سألوه عن سر قوة إسرائيل فأجاب: “قوتنا ليست في سلاحنا النووي، بل في تدمير وتفتيت ثلاث دول كبرى حولنا هي العراق و سوريا ومصر إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، ونجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر”.
هذا هو الإطار العام للمشروع الذي تم تنفيذه، وللأسف العميق نجح في أغلبه إلى أن وصل إلى محطة ” مصر”، التي رزقها الله بشعب مقاوم بطبيعته وجيش مدرك لحجم المخاطر، حتى وإن تعرضت لعمليات خداع لفترات مؤقتة!
كان طبيعاً أن يكون الانتاج الوثائقي، هو صاحب النصيب الأكبر في عملية “التغييب” ، لأن إعادة صياغة التاريخ مرة أخرى ستسهم في تنفيذ المخطط المرسوم، خاصة حينما تضع جماعات الاسلام السياسي في المقدمة، وتمهد الطريق أمامها في كل القضايا الخلافية في التاريخ الحديث.
خلال سنوات قليلة، إستأثرت قناة “الجزيرة الوثائقية”، التي انطلقت في 1 يناير 2007 وهي أحد الاذرع الرئيسية لهذا المخطط وحدها بالانتاج الوثائقي، وفق منهج مدروس وسيناريو نابع من السيناريو السياسي للمنطقة، وهدفه المباشر بالدرجة الأولى هو إعادة كتابة التاريخ العربي وخاصة المصري.
بعد عامين، وتحديداً في 1 يناير 2009أطلقت الجزيرة الوثائقية الموقع الإلكتروني الخاص بها. واعتباراً من هذا التاريخ حددت منهجها في انتاج وثائقيات تثير لغطاً غير مسبوق، وتركز على الزاوية السلبية في القضايا، وخاصة الحديث عن الرموز التاريخية، كذلك إلقاء الضوء على أحداث تاريخية بصورة تزعزع ماهو متعارف عنها، باستضافة معارضين يشككون في جوهر الحقيقة التاريخية.
بالفعل نجحت مثل هذه المحطات والمنصات التابعة لها في التمهيد لما عُرف بـ ” الربيع العربي” في 2011، أو فيما بعد ثورة 30 يونيو المجيدة عام 2013، وهو ما تطلب إعادة تنشيط للذاكرة الوطنية مرة أخرى .. وهو مالم يكن سهلاً كما قلت..
كانت قضية الوعي – ولازالت- من أولويات الدولة المصرية، وكانت الرؤية تتلخص في توجيه ضربات قوية وموجعة لجبهات ” تغييب الوعي”، تعيد للعقل الجمعي المصري التوازن، وتبرز قدرة هذا الشعب على المواجهة.
قبل عامين، وفي الذكرى السادسة والاربعين لحرب أكتوبر المجيدة، أنتجت الدولة المصرية أول عمل ملحمي يمثل الوطنية المصرية بحق بعد 2011، هو فيلم ” الممر” رغم أن أحداثه تدور خلال حرب الإستنزاف، إلا أنه كان مداعباً ومنشطاً للذاكرة الوطنية، التي تتذكر هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر بالإجلال والتقدير، لما فيها من قدرة على تحمل الصعاب وتحويل الهزيمة إلى نصر مبين.
رمضان الحالي، شهد سلسلة من الضربات المتلاحقة والموجعة لجبهات ” تغيب الوعي”، جاء في مقدمتها ” الإختيار2″ الذي تفوق في تكنيك تنفيذه على المستويين العربي والاقليمي يصل إلى مستوى يقارب العالمي، في التصوير وإدارة المعارك، كذلك ” هجمة مرتدة “، و” القاهرة – كابول”.
مصر لديها الكثير والكثير من الإبداع ..ومن رجال الظل أيضاً!

#شريف_عارف #مصر #مقال #رأي #صحف #إعلام #الجمهورية

شارك برأيك وأضف تعليق

2024 ©