رئيس التحريرأميرة عبدالله

رائد الحركة النقابية فى تونس “محمد علي الحامي”

رائد الحركة النقابية فى تونس “محمد علي الحامي”


بقلم :القيادي العمالي صلاح الانصارى

رحل محمد علي الحامي في ظروف غامضة وهو لا يزال شاباً.

ولكن حياته القصيرة لم تمنعه من نحت اسمه في تاريخ تونس.. فالشاب التونسي الفقير كان رائداً للعمل النقابي في تونس
البداية من سوق الغلال
ولد محمد علي عام 1894 (أو 1890 بحسب مصادر أخرى) في مدينة الحامة التابعة لولاية قابس.
يروي رفيقه الطاهر الحداد، في كتابه “العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية”، أن محمد علي “كان يتأثر جداً من مناظر البؤس والفاقة.
حياة الحرمان هذه قادت الحامي إلى العاصمة تونس بحثاً عن آفاق ارحب.
عاد الحامي إلى تونس في مارس 1924 بعد جولات فى دول عديدة متحمساً للعمل في الشأن العام. وجد أن الحزب الحر الدستوري، قائد الحركة الوطنية، في حالة جمود وبعيد عن الجماهير والقواعد الشعبية. يقول أحمد خالد، مؤلف كتاب “محمد علي الحامي، رائد الحركة النقابية بتونس”: “لمّا عاد الحامي إلى تونس وجّه الكفاح توجيهاً جديداً بروحه الثورية، فأخرج الحركة الوطنية من أجواء الخطابة في المنتديات الضيقة واتصل بالجماهير، فأيقظ الضمائر وحرك العزائم”.
فالحامي كان أول من ربط حركة المطالب الوطنية التونسية بالقواعد الشعبية بعد أن كانت تتوجّه لنخبة صغيرة مثقفة ، وهذا ما تسبب بقطيعة بينه وبين الحزب الدستوري دفعته إلى التفكير في صيغة تنظيمية جديدة للنضال الجماهيري ضد الاستعمار، فوجد ضالته في العمل النقابي.
وبتحريض من الحامي وتطبيقاً لأفكاره الثورية، قرر عمال ميناء العاصمة الإضراب عن العمل في أغسطس 1924 مطالبين برفع أجورهم، فأثار الإضراب هلعاً كبيراً لدى السلطات الاستعمارية التي لم تتعوّد مثل هذه التحركات العمالية لدى التونسيين. ثم تفشت عدوى الإضرابات نحو بقية موانئ البلاد فشكّل ذلك نقطة تحول في مسيرة الحامي دفعته إلى تأسيس منظمة نقابية مع رفيقه وابن قريته، الطاهر الحداد، واختار لها اسم “جامعة عموم العملة التونسيين”.
هكذا تشكّل أول تنظيم نقابي مستقل في تونس وكان ذلك في نوفمبر 1924. جمع التنظيم عناصر شيوعية كأحمد ميلاد والمختار العياري وأخرى دستورية كأحمد توفيق المدني والطاهر الحداد. وفي بيانها التأسيسي، أشارت النقابة إلى أن “جامعتنا الوطنية النقابية ليست مؤسسة على التمييز الديني والقومي.
كانت جبهة أعداء النقابة واسعة. وقف في وجهها الحزب الدستوري الذي كان منساقاً وراء الوعود الإصلاحية للجبهة الائتلافية لأحزاب اليسار الفرنسي. وعارضته الإدارة الاستعمارية الفرنسية بشدّة مسنودة بحركات اليمين الفرنسي المتطرف، التي كان أغلب متحزبيها من المستوطنين الفرنسيين في تونس، والتي كانت تخشى المطالب الاجتماعية للعمال والمطالب السياسية الاستقلالية للتنظيم.
في المقابل، وقف الحزب الشيوعي وصحفه مع التنظيم الجديد ودعمته قواعد الحزب الدستوري. واصل الحامي ورفاقه نشاطهم العمالي التحريضي ونجحوا في تنفيذ العديد من الإضرابات ثم توجهوا جنوباً نحو منطقة الحوض المنجمي حيث مناجم الفوسفات لحشد المزيد من الأنصار. هذه الخطوة اعتبرتها السلطة الاستعمارية خطاً أحمر فقررت تفكيك النقابة.
النهاية الغامضة
في فبراير 1925، اعتقلت السلطات الفرنسية محمد علي الحامي ورفاقه وقدمتهم للمحاكمة بتهمة التآمر على أمن الدولة. وبعد إيقافهم أكثر من تسعة أشهر، قررت المحكمة الفرنسية، في نوفمبر 1925 نفي الحامي خارج البلاد عشر سنوات. غادر تونس نحو إيطاليا ثم تركيا فمصر فطنجة، ليستقر أخيراً في الحجاز ويعمل في الترجمة وتدريس اللغة الفرنسية قبل تأسيس شركة لنقل المسافرين بالسيارات. وفي شهر مايو 1928 لقي حتفه في حادث سير.
تلك هي الرواية الأشهر عن ظروف وفاة الحامي. بمرسيليا بتاريخ 26 مارس 1926 أن محمد علي مات في قناة السويس على متن تلك الباخرة يوم 13 مارس، لكن نفس الوثيقة التي حررها قائد السفينة نسبت محمد علي إلى عدن باليمن، واعتبرته مجهول الهوية، ويفترض أحمد ميلاد أن قائد السفينة تخلص من جثة محمد علي الحامي بإلقائها في القناة حتى لا يعود بها إلى مرسيليا”.

شارك برأيك وأضف تعليق

2024 ©