رئيس التحريرأميرة عبدالله

الصنايعية .. والأفندية ..ووزارة التدريب

الصنايعية .. والأفندية ..ووزارة التدريب


بقلم: محمد عبدالله

الكاتب الصحفي والمدرب الإعلامي

  • ماذا ستفعل إذا تقدم لابنتك صنايعي ؟
  • لا طبعا لن أقبل أن تتزوج ابنتي من صنايعي !!
  • وماذا ستفعل إذا كان هذا الصنايعي حاصل على بكالوريوس هندسة مثلا أو خريج معهد عال ؟
  • ولو ..في النهاية سيقول الناس عنه إنه صنايعي .
    هذا ملخص حوار متكرر مع مجموعة منتقاة من الآباء والأمهات حول نظرة المجتمع لأصحاب المهن .
    تلك الصورة التي ساهم في ترسيخها الإعلام على مدار 40 عاما وأكثر وهي تلك الصورة التي يظهر فيها ” الصنايعي” مدمن مخدرات أو منفلت الأخلاق أو “محدث نعمة” يتعالى على غيره، وخاصة بعد ” هوجة” الانفتاح الاقتصادي .
    ومع هذه الصورة الذهنية والتنميط لشخصية الصنايعي كان الواقع يزداد سؤا حيث تحول الكثير من المدارس الصناعية إلى بيوت أشباح ومضخة للأشخاص غير الأسوياء، كما رسخت درجات القبول بالتعليم الصناعي هذه النظرة المتدنية فأصبحت مرتعا للفشل الدراسي .
    يأتي هذا في الوقت الذي يمثل التعليم الفني في كل دول العالم واحدا من أهم روافد دعم النهضة الصناعية والإنتاجية فى دول العالم المتقدم، مثل ألمانيا التي يستحوذ خريجو التعليم الفني على أكثر من 70% من سوق العمل، وكذلك سنغافورة وكوريا الجنوبية وفى مصر فالأرقام تبعث على الدهشة، فلدينا 40% من طلاب المرحلة الثانوية يدرسون بالتعليم الفني ، بنحو 1.9 مليون طالب، موزعين بين مدارس التعليم الفني الزراعي، والصناعي، والتجاري، والفندقي.
    ويتوزع هؤلاء الطلاب على 2266 مدرسة فى جميع محافظات الجمهورية، يقدم لهم الخدمة التعليمة حوالى 150 ألف معلم ومعلمة.
    ورغم هذه الأعداد الضخمة، فإن الواقع يقول أنها تمثل مشلكة، وليست ميزة نسبية، فهذه الأعداد لا تترجم بمنتج فعلي على أرض الواقع، كما أن التعليم الفني يحتاج إلى إعادة نظر لمفهوم “الوجاهة الاجتماعية”، ونظرة المجتمع للملتحقين به .
    لدينا أزمة حقيقية في مفهوم التخطيط للتعليم بشكل عام و الفني بشكل خاص، فقد كان جزءا من وزارة التعليم ثم انفصل ليصبح وزارة مستقلة، ثم عاد ليتم دمجه مرة أخرى بالوزارة، وحتى الآن لا نعرف الأسباب التي بسببها تم الدمج أو الانفصال .
    الواقع يقول أن هناك أزمات تواجه التعليم الفني أو الصناعي بدءا من طبيعة المناهج وأسلوب التدريب والكوادر التي تقوم بالتدريس .
    وربما استوعبت الدولة المشكلة وبدأت في وضع حلول جذرية ومستقبلية فالتعليم الفني والتدريب المهني أصبح يحتل مساحة كبيرة ضمن محور الأهداف الاجتماعية، فى الإستراتيجية المستقبلية “رؤية مصر 2030” والتي تركز على تحديد الأهداف الإستراتيجية الخاصة بالتعليم الفني والتدريب، وتستهدف هذه الإستراتيجية طالب التعليم الفني، وأصحاب الأعمال.
    بلد شهادات
    وعلى الجانب الآخر من النهر تغرد منظومة التعليم العالي في واد أخر فتضخ عشرات الآلاف من الخريجين من الكليات النظرية التي ساهمت في تضخم سوق البطالة ، فأصبح لدينا رافدين سلبيين لسوق العمل، أحدهما فني غير مدرب وغير متعلم، ورافد آخر نظري يمثل ما يمكن أن نسميهم مجازا “الأفندية” ، وما بين الصنايعي والأفندي ضاعت الصنعة واكتظ سوق العمل بملايين العاطلين وطبقا لإحصائيات وزارة التعليم العالي لعام 2018 فقد بلغ عدد الخريجين فى مجال الأعمــال والإدارة والقانون 171 ألف خريج بنسبة 31.7% من إجمالي خريجي التعليم العالي، تلاه مجال الفنون والعلوم الإنسانية بعدد 79 ألف خريج بنسبة 14.7%، ثم مجال الهندسة والتصنيع والبناء بعدد 58 ألف خريج بنسبة 10.7%.
    هذه الأرقام هي الأخرى تدل على الفوضى والتوسع في الكليات النظرية دون دراسة لحاجة السوق إليها .
    وزارة التدريب
    وحتى نمد الخط على استقامته، فهناك مبدأ فى العلوم العسكرية يقول :” نقطة العرق في السلم توفر قطرة الدم وقت الحرب ” وهى تعنى أن كل مهمة تدريبية وقت السلم يكون لها أثر كبير فى الحفاظ على الدماء وقت الحرب .
    والتدريب هو مفتاح تطوير الدول والاستثمار في بناء الإنسان الذى يعد الاستثمار طويل الأجل والأكثر استدامة للتغلب على موبقات سياسة التخزين الوظيفي التي عانت منها الإدارة الحكومية لملف البطالة لسنوات طويلة .
    وتفرق دم ملف التدريب بين عدد من الوزارات والهيئات وأنشأنا وزارة للتعليم الفني ثم قمنا بإلغاءها ولا يوجد لدينا سياسة ربط التعليم بسوق العمل والاحتياجات الحقيقية لتخصصات مثل التجارة والحقوق والآداب وتوسعنا فى كليات وأكاديميات الإعلام فى الأقاليم رغم عدم وجود وسائل إعلامية تستوعب هذه الأعداد الكبيرة وضيق فرص العمل فى العاصمة .
    وفى الوقت الذي تشهد فيه مصر العديد من المشروعات الكبرى والشروع فى تنظيم الأداء الإعلامي نجد أن مفهوم التدريب لم يأخذ حقه من الاهتمام سواء على مستوى المشروعات أو إصلاح حال الإعلام .
    وللأسف فقد ترسخ فى الأذهان فى بيئة العمل المصرية أن التدريب هو فرصه للراحة من العمل أو “التزويغ” الشيك ناهيك عن نقص التدريب أو انعدامه فى كثير من المؤسسات وعدم وجود ميزانية ثابتة لبرامج التطوير حتى فى كبريات المؤسسات الصناعية الكبرى رغم أهمية التزود بالمعارف العملية فى ظل ثورة التكنولوجيا والتنافسية الشديدة من جانب اليد العاملة المدربة القادمة من شرق آسيا .
    وما أتمنى أن يتم هو التنسيق بين كافة الوزارات لجعل التعليم يرتبط بالتدريب وحاجة سوق العمل ووجود توجه استراتيجي للدولة يتم وضعه لمدة 50 عاما يعاد فيه هيكلة البنية التعليمية بما يوفر مجانية تعليمية عادلة وضخ خريج مهني مثقف .
    مصر تحتاج لوقفة مع النفس لتحدد هل مازالت تحتاج إلى الأفندية بهذا العدد أم تحتاج إلى صنايعي على أعلى درجات التأهيل والتدريب ..مصر في حاجة إلى وزارة مستقلة للتدريب تعيد هيكلة القوة المعطلة والمتعطلة، حتى نجد مكانا تحت الشمس .

شارك برأيك وأضف تعليق

2024 ©