رئيس التحريرأميرة عبدالله

الأفغاني” قائد الوسطية ورائد الصحافة السياسية

الأفغاني” قائد الوسطية ورائد الصحافة السياسية

قائد الوسطية لمنارة الأزهر..داعي التحرر ومقاومة الإستعمار بالصحف السياسية

المصلح الإسلامي الكبير”جمال الدين الأفغاني”صاحب النهضة السياسية والأدبية.. “جمال الدين الأفغاني”  رائد المصلحين

جمال الدين الأفغاني .. رائد المصلحيين وأبوالثورة العرابية الذي قتله مرضه في صمت

كتبت:أسما فاروق

يمتد نسله إلى سيدنا الحسين كرم الله وجهه، كان مصلحًا دينيًا وعالمًا وفيلسوفًا، حكيمًا لزمانه وسابقه بقرون، في مجلس السياسة تجده زعيم وفي مجالسة العلماء وأهل الحل والربط هو إمام، إنه العالم الجليل المصلح الإسلامي الكبير السيد جمال الدين الأفغاني، كان مروره على مصر مرحلة من مراحل كفاحه قضى فيها حوالي ثماني سنوات أغلبها تحت حكم الخديوي اسماعيل. 

باعث نهضه الشرق ورائد المصلحين، دعوته كانت محطمة للركود الفكري، جمع بين مسمى المصلح الديني والفيلسوف الحكيم و الزعيم السياسي، دعا لفهم تعاليم الإسلام على حقيقته، والرجوع إلى مبادئه الصحيحة وفطرته الأولى وتطهيره من الأوهام والخرافات التي أدت إلى تأخر المسلمين وعن الناحية السياسية  كان يدعوا إلى ضرورة محاربة الإستعمار.

ولد سنة 1838م في أسد أباد بكابول عاصمة الأفغان،  تلقى علوم الدين والتاريخ والمنطق والفلسفة والرياضيات، تعلم العربية و الأفغانية والفارسية، استمر في بلاد الأفغان لفترة حيثُ وضعه “محمد أعظم” الذي كان يحكم وقتها في منزلة بمثابة الوزير الأول، ولكن لم يستمر ذلك  طويلًا، فحدثت خلافات بين الأسرة الحاكمة وصاربعدها إلى الهند ولم يسمح له بالإقامة هناك طويلًا، وكان مجيئه لمصر للمرة الأولى سنة 1870م، تردد على الأزهر و اتصل بالكثيرمن الطلبة وبلغت إقامته نحو 40 يومًا،  ثم تحول إلي الأستانة بإسطنبول.

أنزله الصدر الأعظم علي باشا في حكومة السلطان عبد العزيز منازل الأمراء والوزراء والعلماء وأبلغه رغبت الحكومة في أن تستفيد من علمه، وأصبح عضو في مجلس المعارف وأشار بإصلاح مناهج التعليم، ولم يقم هناك كثيرًا فتم الإيقاع به وأُبعد، ليعود إلى مصر للمرة الثانية مارس 1871م ليس على نية الإقامة ولكن لمشاهدة مناظرها واستطلاع أحوالها، وأثناء ذلك طلب منه رياض باشا وزير الخديوي اسماعيل، البقاء في مصر ومنحته الحكومة راتب إكرامًا له وليس مقابل عمل.

وجدت مبادىء الأفغاني وتعاليمه سبيلها للتواجد بعد نزول الخديوي اسماعيل لرغبة الدولتان البريطانية والفرنسية بفرض الرقابة الثنائية على مصر 1876م، و تعيين وزارة مختلطة  برئاسة نوبار باشا وبها وزيران أوروبيان، كان تعيين هذه الوزارة إهانة للبلاد وصدمة  كانت من الأسباب التي دفعت النفوس للتفكير في ضرورة التخلص من هذا الحكم.

من هنا بدأت النهضة الوطنية السياسية  والأدبية في مصر، والتي من أهم مظاهرها  وجود الصحف السياسية التي كان للأفغاني الفضل  الكبيرفي إنشائها وتحريرها، ومنها جريدة “مصر” لأديب إسحق ومديرها سليم نقاش،  وقد أنشاء الإثنان صحيفة “التجارة” اليومية بالاسكندرية،  ظهرت فيها تعاليم الأفغاني  وروحه وكانت له في الصحيفتين بعض المقالات يكتبها أو يمليها على تلاميذه  بإسمه أو  بإسم “المزهر بن وضاح”، كما كان هناك جريدة “مرأة الشرق”، و”أبو نضارة” ليعقوب صنوع وغيرها، كان لهذه الجرائد فضل كبير في إنارة العقول.

وكان كثيرًا من طلاب الأزهر من مريديه فكانوا يتزودون من حكمته، ويستمعون لقرأته في  فنون الكلام،  وعلوم الفلك والتصوف و أصول الفقه بإسلوب طريف و طريقة مبتكرة، كانوا يستمعون إليه في بيته وفي الأزهر الشريف فقد ساهم مع بعض مشايخ الأزهر في إعادة الوسطية والمفاهيم الصحيحة للإسلام،  كان إسلوبه في التدريس مخاطبة العقل، ولم تقتصر حلقات دروسه ومجالسه على طلبة العلم فقط،  بل كان يحضرها العلماء والموظفين والأعيان وغيرهم،  وهو في كل أحاديثه لا يسأم كما يقول عنه تلميذه الأكبر الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده من الكلام في ما ينير العقل و يطهرالعقيدة،  ويذهب بالنفس إلى معالي الأمور،  وقد انتقل طلابه بتلك المعارف إلى بلادهم فاستيقظت المشاعر وتنبهت العقول في أطراف متعددة من البلاد خصوصًا في القاهرة.

كما كان للأفغاني  ظهورفي مجلس شورى النواب، فقد دخلت الحياة النيابية سنه 1876 دور جديد بسبب روح النهضة والمعارضة التي دعا لها، وأخذ النشاط  يظهر في المجلس بعد أن كان يخيم عليه الخمول والجمود، فكان اجتماع المجلس في نوفمبر 1876 لترد على خطبة العرش  بروح جديدة تضاءلت فيها أساليب العبودية للخديوي.

وقد ذكر الكثير من المؤرخين أن جمال الدين هو من الناحية الفكرية أبو الثورة العرابية، وكثير من أتباعها هم من تلاميذه أو مريديه، ومنهم خطيب الثورة العرابية عبد الله نديم ، ومحمود سامي البارودي رئيس وزارة الثورة،  والشيخ محمد عبده، والثورة في ذاتها هي إستمرار للحركة السياسيه التي كان لجمال الدين الفضل الكبيرفي ظهورها، وكان مقدر له أن يكون خارج مصر أثناء قيامها، فقد ألزمته الحكومة البريطانية بالبقاء في الهند حتى انقضاء أمر الثورة العرابية.

وبعد أن أخفقت الثورة العرابية واحتل الإنجليز مصر سمحوا للأفغاني بالذهاب إلى أي بلد فاختار أوروبا وتعلم الفرنسية وانتقل إلى باريس وهناك أصدر جريدة  “العروة الوثقى”  بإسم الجمعية التي أنشأتها،  وقد خُصصت  لدعوة الأمم الإسلامية إلى الاتحاد والتضامن والأخذ بأسباب الحياة والنهضة ومجاهدة الإستعمار وتحرير مصر والسودان من الإحتلال البريطاني، وكانت تضم مجموعة من اقطاب العالم الإسلامي وكبرائه وكان الشيخ محمد عبده هو رئيسًا لتحريرها.

كانت الجريدة  تستثير الشجاعة في نفوس قرائها، و كان  الأول منها 13 مارس 1884م،  وكان صدورها رد فعل للإحتلال الأجنبي والثورة عليه،  كان شعارها إيقاظ الأمم الإسلامية و المدافعة عن حقوق الشرقيين كافة ودعوتهم إلى مقاومة الإستعمار الأوروبي والجهاد في سبيل الحرية والإستقلال، أقبل عليها الناس في مختلف الأقطار لكن الحكومة الإنجليزية أقفلت أبواب مصر والهند وشددت في مطاردتها واضطهاد من يقرؤها بل كانت تنوي مصادرتها قبل ظهورها.

احتجبت الجريدة  بعد صدور العدد الثامن عشر في 16 أكتوبر 1884م بعد 7أشهر ، وكان لمحاربة الإنجليز أثر كبير في حجبها، و رغم  قصر مدة صدورها لكن ظلت أثارها عالقة في الأذهان،  وكان الفضل  للأفغاني  والإمام محمد عبده  في ما وصلت له الجريدة من المكانة الرفيعة والأثر الخالد في نفوس الشرقيين جميعًا.

وقد تعددت الروايات عن وفات المصلح الإسلامي،  وأكثرها ماجاء في كتاب “حاضر العالم الإسلامي”،  عن شدة  التضيق عليه من الرقابة الأجنبية و إرساله  لمستشار السفارة الإنجليزية يطلب منه إيصاله إلى باخرة يخرج بها من الأستانة فجاءه ووعده  بتنفيذ طلبه،  فلما بلغ السلطان عبد الحميد الخبر أرسل إليه أحد حجابه يسأله أن لا يسأل الحماية الأجنبية في طلب،  فثار غضبه وعدل عن السفر وبقيت الرقابة عليه كما كانت، و بعد عدة أشهر قليلة ظهرفي فمه مرض السرطان بسرعة،  فأصدر السلطان الأوامر بإجراء عملية جراحية بيد كبير جراحي القصر السلطاني “الدكتور قمبور زاده”، ولم تنجح وبعد أيام قليلة  فاضت روحه إلى الله عز وجل.

وكثرت الحكايات  والقصص حول هذه العملية وأنها لم تأخذ حقها من التطهير والعناية عمدًا لذلك انتهت بموته، كما ربطت بعض المصادر بين هذه الحادثة وبين  قصة”جارح” طبيب الأسنان العراقي الذي كان يتردد عليه ليعالج أسنانه، وما رويا عن إستمالته بالمال واستعماله جاسوس علي الأفغاني  حتى صارعدو في ثياب صديق، وغيرها من القصص التي ذكرتها المصادر التاريخية.

  وبعد أن فاضت روحُه الطاهرة إلى خالقها في مارس 1897،  أمرت  الحكومة العثمانية بضبط أوراقه وكل ما كان باقيًا عنده وأمرت بدفنه في “مقبرة المشايخ” بالقرب من نيشان طاش، فدفن كما يدفن أقل الناس شأن في تركيا وظل هناك إلى أن نقل رفاته إلى أفغانستان سنه 1944.

ومن القصص التي ذكرت عن العالم الجليل، أن السلطان عبد الحميد حاول أن يغريه ويعلق قلبه بالمال والبنون لكنه أعرض، فقد كان منشغلًا بلذة العقل عن سائر الملذات الأخرى و كانت نظرته إلى المال كالتراب، لا يتناول منه إلا ما هو ضروري للحياة، قال عنه أديب إسحق “إنه عذب عفيف النفس كثير القيام لا ينام إلا القليل ولا يأكل إلا مرة واحدة في اليوم،  نبيه يكاد يكشف حجة الضمائر ويهتك ستر السرائر”.

وكان من علو نفسه حين نفى من مصر في أوائل عهد الخديوي توفيق أنزل إلى البحر في السويس خالي الجيوب فجاءه قنصل إيران ومعه جماعة من الماسونية وتجار من العجم وعرضوا عليه المال على سبيل الهدية أو القرض الحسن فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال لهم “احفظوا المال فأنتم إليه أحوج أنا الليث لا يعدم فريسته حيثما ذهب”، وذكر الدكتور جمال الرافعي في كتابه أن هذه الكلمات كافية لتصور لنا شخصية المصلح الإسلامي الكبير وعظمته النفسية و تصلح أن تكون عنوان للتاريخ المجيد.

كان الأفغاني لايفارق السنة الصحيحة مع ميله إلى مذهب الصوفية  رضي الله عنهم، وكان في إقامته بمصر يلقي الدروس في داره يجتمع فيها رجال العلماء والأدباء وأذكياء الطلبة، و يقضي النهار في بيته  فإذا جاء الليل خرج إلى قهوة “متاتيا” أمام حديقة الأزبكية يجلس فيها وحوله تلاميذه منهم الشاعر والأديب، العالم اللغوي، الطبيب، الجغرافى، والتاريخى،  والمهندس وغيرهم من أهل الفكر والعلم والوجاهة.

شارك برأيك وأضف تعليق

أحدث التعليقات

    2024 ©